هجّ الحمام | شعر

نازحون بسبب الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة، رفح، 20/12 | سائد خطيب.

 

"هَيْ أبوية معايا ورا في السيّارة ماخده لحالي، الله يرحمك يابا"

"أبو رزق منشان الله تقوم"

"حطّولي ايّاه ع صدري أمانة الله"

"يا كمال يا كمال... كان عايش والله"

"كلّ اللّي في البيت استشهدوا"

"بنخاف من الليل"

"كلّ أصحابي ماتوا"

 

في لحظةٍ ما

تحوّلت غزّة إلى أكبر دمعةٍ في الدنيا

دمعةٌ يسبح فيها الجميع

يتسرّب منها الملح

على الخيام

وعلى النزوح

وعلى أفواج الحمام، هجّ الحمام

دمعةٌ تصلّي في عيون الأمّهات

وتمطر في جدائل الصبايا 

دمعةٌ تركض في الطريق بين موتٍ وموت

بين بيتٍ وبيت

بين غيابٍ

وغياب

 

في لحظةٍ ما

تحوّلت غزّة إلى صورةٍ على الشاشة

والشاشات لا تتكسّر أبدًا من المشهد

والمشهد لا يتنزّه عن ارتجافة الأطفال

المشهد قاسٍ

 غولٌ يتمشّى في الأمكنة

ينزعها

ويتمشّى

ينزعها

ويتمشّى

ثمّ يسيل دم الشوارع

يتكسّر عظم الأمكنة

وتقع الحكايات من البيوت

ثمّ تجدها وهي تنهار

رائحة الطعام الّذي كان من المفترض أن يكون في أواني الأمّهات

وتذوب أيدي الأطفال المتشابكة - الّتي كانت ستذهب للمدرسة الساعة السابعة غدًا صباحًا - في جحيم الموت

في جحيم الفوضى

في جحيم الغياب

والنزوح

 

المشهد كان يجب أن يكون مغايرًا جدًّا

كانت هناك قطّةٌ تتمشّى على الجدار

وطفلٌ في سريره تناغي له العائلة كلّها

وهو يناغي للدنيا

كان هناك أشجارٌ على باب البيت

ياسمينةٌ ودالية عنب

كان هناك طفلان يخبّئان بعضًا من مصروفهما الشخصيّ ليشتريا بعض الألوان والدفاتر والضحك

كان هناك حبيبان يتّفقان على موعد

روائح

وأمٌّ تصرخ على أحمد أو محمود أو صالح 

كان هناك شيءٌ يحصل

وشيءٌ يجب أن يحصل

 

هربت القطّة

تحطّم السرير

اختفت العائلة تحت الركام

الألوان ذابت، تبقّى لونٌ واحدٌ

سال في كلّ مكان

توقّف كلّ شيءٍ

الأمّ توقّفت عن الصراخ

غيّر الجميع الطريق فجأةً

الأمّ والطفل في السرير وأحمد ومحمود والحبيان والقطّة والبيت

وبقي صالح

بقي صالح

وحيدًا

وركام

ركام

ركام

 


 

نور بعلوشة

 

 

 

كاتبة فلسطينيّة من قطاع غزّة، تقيم في السويد؛ تعمل في مجال حقوق الإنسان؛ حاصلة على ماجستير في الشرق أوسط من «جامعة ستوكهولم»، وهي عضو «اتّحاد كتّاب فلسطين».